من المهابط إلى المناجم: كيف تحولت أم بادر إلى أخطر نقطة تهريب في الحرب السودانية
مقدمة:
لطالما شكل الطريق الترابي الذي يربط مناطق سودري وحمرة الشيخ وأم بادر بمدينة بارا شريانًا حيويًا تتحرك عبره مليشيا الدعم السريع بشكل يومي.
واستخدمته لنقل المسروقات والمصابين والمنسحبين من وسط السودان باتجاه الغرب، كما دفعت عبره بالتعزيزات من دارفور نحو عمق البلاد.
غير أن طرد المليشيا من إقليم وسط السودان غير مسار المعارك لتنزلق الحرب تلقائيًا إلى إقليم كردفان.
وقد بدأت إرهاصات هذه المرحلة فعليًا بمعارك في أم أندرابة ورهيد النوبة وكازقيل والدبيبات والخوي، وسط توقعات باتساع رقعتها لتشمل ما تبقى من المناطق التي تقع في طريق الصادرات وهو طريق يربط الخرطوم بمدينة بارا، ويملك اهمية استراتيجية ضخمة لا سيما بعد ان اصبح لطريق الصادرات تمدد الترابي عبر سودري، أم بادر، وحمرة الشيخ.
ام بادر – الاهمية الاستراتيجية الاولى:
رغم كونها محطة على الطريق الترابي الرابط بين وسط وغرب السودان، إلا أن أم بادر تمثل موقعًا ذا قيمة استراتيجية بالغة فهي تُعد واحدة من المحطات الأخيرة في خط تهريب الموارد المنهوبة من الثروات السودانية.
تضم المنطقة مهابط ترابية استُخدمت كمنفذ لتهريب الذهب المستخرج من المنطقة، ويُعد هذا الذهب أحد أبرز مصادر تمويل المليشيا حيث يُشحن إلى الخارج – وتحديدًا إلى دولة الإمارات – التي تبيعه لاحقًا عبر قنوات مموهة في السوق العالمية ليُعاد استثمار جزء من عائداته في دعم المليشيا بالسلاح والعتاد.
وبحسب معلومات مؤكدة فإن هذه العملية بدأت قبل نحو عام حينما أنشأت مليشيا الدعم السريع بأوامر مباشرة من حكومة أبو ظبي مهابط ترابية في أم بادر، ومنذ ذلك الحين انطلقت منها رحلات دورية تنقل الذهب والمصابين من القيادات الرفيعة إلى الخارج، ليحصل الجرحى على الرعاية الطبية ويُعاد ضخ قيمة الذهب على هيئة سلاح وذخائر تُستخدم في ميادين القتال.
لذا فإن الأهمية الاستراتيجية الأولى لأم بادر تكمن في كونها مصدرًا حيويًا للتمويل والرعاية اللوجستية للمليشيا، وللمزيد من التفاصيل في هذا السياق نستعرض مجموعة من صور الاقمار الصناعية التي ندرس فيها المهابط الترابية.
لدينا خمس مهابط تختلف في حجمها وطولها وكثرة استخدامها وتاريخ الانشاء، وجميعها تقع في ذات النطاق على النحو التالي:
مهبط (1) – ظهر في 29 ديسمبر 2023
مهبط (2) – ظهر في 19 اكتوبر 2024
المهابط (3) و (4) – ظهرت في 24 سبتمبر 2024
مهبط (5) – ظهر في 8 مايو 2025

رصد طائرة شحن في أم بادر:
في 23 مارس 2025 تمكنا من خلال صور الأقمار الصناعية رصد طائرة شحن تقف على المهبط رقم (1) في منطقة أم بادر، وكانت في طور تحميل أو تفريغ الحمولة وبالنظر إلى طبيعة المنطقة وخطورة المبيت فيها، من المرجح أن الطائرة غادرت سريعًا لتفادي الاستهداف الجوي المحتمل من قبل القوات الجوية السودانية.

في 8 نوفمبر 2024 عثرنا على شيء غريب في بداية المهبط رقم (3) ويبدو مثل طائرة مدمرة أو منجم للذهب، بعد حوالي اسبوع من ذلك تم نقله في 13 نوفمبر 2024 الى خارج المهبط تقريبًا ومنذ ذلك الحين تم تجميد المهبط رقم (3) ولم نشاهد فيه تغييرات الى الآن وتم استبداله بالمهبط رقم (2) ليصبح الأخير مهبط رئيسي.

في أبريل 2025 أظهرت صور الأقمار الصناعية بالقرب من المهبط رقم (2) آثار قصف جوي على مواقع المهابط ما يقودنا الى احتمال تنفيذ ضربات جوية من قبل القوات المسلحة السودانية، ولكن هناك احتمال آخر بأن هذه الآثار قد تكون في الحقيقة مناجم ذهب.

عدد المهابط كبير نسبة للمنطقة الضيقة التي توجد فيها ونُرجح أن هذا التوسع في المهابط يخدم أهدافًا عملياتية للمليشيا ومن أبرزها:
-التمويه: تعدد المهابط يصعب على الطيران الحربي السوداني تحديد المهبط الفعلي الذي تُستخدمه طائرات الشحن مما يشتت الجهد الجوي ويقلل من فعالية الاستهداف.
-المرونة التشغيلية: وجود بدائل فورية للهبوط في حال تضرر أحد المهابط بفعل القصف أو الأمطار أو الأعطال مما يُسهل على الطيارين ويوفر فرصًا متعددة للهبوط والإقلاع.
وفي ضوء ما سبق، لم تعد أم بادر مجرد قرية نائية بل تحولت إلى ذراع إماراتي لوجستي داخل السودان، تنزف عبره البلاد ذهبًا وأمنًا وسيادة.

رصد إعادة تشغيل مناجم الذهب في ام بادر:
أظهرت صور الأقمار الصناعية مؤخرًا قيام مليشيا الدعم السريع بإعادة حفر وتشغيل عشرات المناجم المنتجة للذهب في منطقة أم بادر، والتي قمنا بتحديد 40 منجمًا منها فيما يتبقى المزيد وحسب تقديراتنا قد يكون ضعف هذا الرقم أو نصفه.
تقع المناجم تحديدًا في المناطق القريبة من المهابط الترابية ما يؤكد سعيها لتسهيل عمليات النقل السريع والمنظم للذهب المهرب.

وتشير معطياتنا إلى أن هذه المناجم أُعيد تشغيلها بشكل مدروس ضمن خطة الربط اللوجستي بين أماكن الاستخراج ومهابط التهريب مما يسرع من تدفق الذهب إلى الخارج.
كما وجدنا مناجم ذهب جديدة بالقرب من المهبط رقم (5) الذي تم تشييده في مايو الماضي.

وهنا مجموعة من صور الأقمار الصناعية التي توثق هذه الأنشطة بالقرب من المهبط رقم (5) والمهبط رقم(1).

ام بادر – الاهمية الاستراتيجية الثانية:
لا تقتصر أهمية أم بادر على كونها منصة لتهريب الذهب وتمويل المليشيا فحسب بل تمتد لتشكل معبرًا عملياتيًا نحو مناطق ذات ثقل استراتيجي في شمال دارفور.
ترتبط أم بادر بطريق ترابي مباشر يؤدي إلى منطقة أم كدادة مقر اللواء 24 مشاة، والواقعة في أقصى الشرق من ولاية شمال دارفور وهي ذاتها الولاية التي تضم مدينة الفاشر المحاصرة.
وتُعد أم كدادة البوابة الشرقية لشمال دارفور وتتصل عبر الطريق القومي الذي يمر بالكومة ومليط وهما منطقتان محوريتان في خط الإمداد والسيطرة حول الفاشر.
وبالتالي فإن السيطرة على هذا المسار انطلاقًا من أم بادر يُمكن القوات المسلحة السودانية من فك الحصار عن الفاشر، وهو هدف عسكري عالي الحساسية والتعقيد ويشكل مفصلًا مهمًا في مسار الحرب الحالية.

إضافة إلى ذلك تمتلك أم بادر طريقًا آخر يتجه شمالًا غربيًا نحو منطقة المالحة القريبة من قاعدة الزُرق، وهي نقطة ذات أهمية كبيرة وبالسيطرة على هذا الطريق يُمكن للقوات المسلحة قطع خطوط الإمداد القادمة من ليبيا والتي تعتمد عليها مليشيا الدعم السريع عبر شبكة من المحطات الممتدة في ولاية شمال دارفور.
إن أم بادر بهذا الامتداد الميداني المزدوج لا تُمثل مجرد نقطة تهريب للذهب بل ممرًا مختصرًا نحو السيطرة على ولاية شمال دارفور ومنصة لانطلاق جبهة قتال جديدة تربك توازن المليشيا وتعيد خلط أوراق الميدان.
ورغم ذلك لا يُمكن إغفال وجود مسار آخر مُفضل للقوات المسلحة السودانية في غرب كردفان يتمثل في طريق الخوي – النهود – ود بندة – أم كدادة – الكومة، كجزء من شبكة الطرق القومية المؤدية إلى الفاشر مما يجعل من أم بادر والخوي معًا نقاط بداية استراتيجية نحو الهدف نفسه ولكن من جبهتين مختلفتين.
ختام التقرير:
تم إعداد هذا التقرير بواسطة VISTA MAPS ضمن سلسلة تقارير كردفان التي تهدف إلى تشكيل رؤية واضحة وعميقة حول الواقع العسكري في إقليم كردفان.
وبإصدار هذا التقرير تكتمل ثلاثية تقاريرنا عن ولاية شمال كردفان، والتي شملت:
• العُقَد الاستراتيجية – سلسلة تقارير كردفان
• نقاط التحول الحربي – سلسلة تقارير كردفان
• البوابات الخلفية – سلسلة تقرير كردفان
نأمل أن نكون قد وفرنا لمتابعينا الحد الأقصى من الفهم والتحليل الممكن حول ما يجري في ولاية شمال كردفان.
ومع اكتمال هذه المرحلة، تنفتح أمامنا فرصة جديدة للتوسع نحو بقية ولايات كردفان بهدف تشكيل وعي شامل ودقيق بمجريات الحرب في الإقليم بالكامل.
VISTA MAPS | خرائط ڤيستا